%AM, %25 %417 %2014 %10:%شباط

المواطنة : حقوق وواجبات

كتبه 

المواطنة حقوق و واجبات

نعيش اليوم في عالم سريع التغير، طغت فيه العولمة و الانفتاح أمام التواصل الثقافي والمعلوماتي بين دول العالم، مما خلق حاجة كبيرة لإرساء قيم المواطنة في شخصيات أفراد كل مجتمع من اجل تحضيرهم تحضيرا جيدا للمشاركة ايجابيا في الحياة مع تأدية كاملة لواجباتهم وتحمل مسؤولياتهم، فالحديث عن المواطنة يثير عدة إشكاليات كلها يحتاج إلى إجابة واضحة ومحددة، فما هو مفهوم المواطنة؟ وهل هي حديثة النشأة أم ضاربة في القدم؟ و ما هي قيمها؟ وما هي المبادئ الأساسية التي تقوم عليها العلاقة بين الدولة و المواطن؟ وهل هي ميزة ترتبط بالحقوق أو بالواجبات أو بهما معا؟

 

1.    مفهوم المواطنة:

المواطنة كلمة تتسع للعديد من المفاهيم، و التعريفات، و يتفق العديد من الباحثين على تشعب مفهومها. فكلمة مواطن مأخوذة من اسم فاعل (واطن) وهو فعل رباعي مشتق من فعل الثلاثي (وطن) ومعناه سكن، إذا فالمواطنة لغة مأخوذة من كلمة وطن أي محل الإقامة الإنسان ولد به أم لم يولد. و المواطنة صفة صيغت بصفة الدالة على "المطاوعة و المشاركة"، "فهي صفة المواطن التي تتحدد حقوقه و وجباته الوطنية من خلال انتماءه لوطن ما".

أما المفهوم المعاصر للمواطنة فهو يتعدى ذلك إلى القواسم الثقافية المشتركة بين شعب أو امة تقطن في رقعة جغرافية لها حدود سياسية تسمى بلدا مثل (الجزائر)، فهي تعني " علاقة بين فرد و الدولة كما يحددها قانون أي بلد أو دولة و بما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات و حقوق متبادلة في تلك الدولة، ومتضمنة مرتبة من الحرية مع ما يصاحبها من مسؤوليات".

2.    المواطنة عبر التاريخ:

تعد المواطنة من القضايا القديمة المتجددة،فهي ليست وليدة العصر الحديث، و إنما وجدت مع وجود التجمعات البشرية التي ضمتها بقعة محددة من الأرض انطلاقا من الأُسر إلى العشائر مرورا بالقبائل ووصولا بالدول. ففي المجتمع العربي الذي كان قائما قبل الإسلام على شكل قبائل في اغلب أحيانه كانت هناك معايير تنظم شؤون القبيلة. و لما جاء الإسلام أعطى للمواطنة مفهوما جديدا، و أسبغ عليها حقوق العدالة والمساواة والحرية في إطار احترام الهوية، و المواد التي وضعها الرسول "صلى الله عليه و سلم" بعد الهجرة تعبر عن صورة واضحة لمفهوم المواطنة في ذلك الوقت ومنها نذكر:

-يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم و للمسلمين دينهم، إلا من ظلم و آثم فانه لا يوتغ (أي يهلك) إلا نفسه و أهل بيته.

- من خرج من المدينة آمن، ومن قعد آمن إلا من ظلم و آثم.

أما في بداية ظهور الدولة القومية بقيت هناك بعض صور التمييز فكان المسيحي الكاثوليكي في انجلترا لا يتمتع بنفس الحقوق البروتستانتي بعد إنشاء الكنيسة الانجليزية خلال النصف الأول من القرن السادس عشر و بقي الحال كذلك إلى منتصف القرن التاسع عشر. إلّا أن مبدأ المساواة خطا خطواته الواسعة في أعقاب الحرب العالمية الثانية وشهدت تلك الحقبة تدوين حقوق الإنسان، و ظهور المواثيق و العهود الدولية التي تلزم كافة الدول المصدقة عليها بمبادئها و نصوصها وتضمن للأفراد حقوقهم. وفي القرن الواحد و العشرون شهد مفهوم المواطنة تطورا مال به إلى منحنى العالمية الذي دفع إلى تجدد الاهتمام بالمواطنة في هدا العصر خاصة بظهور مشكلات جديدة لم تكن موجودة من قبل، الشيء الذي جعل من مبدأ المساواة والعدل بين المواطنين الطابع الأساسي للمواطنة في الدولة الحديثة.

3.    قيم المواطنة

ترتكز قيم المواطنة على أربعة قيم أساسية و هي:

- أولا: قيمة المساواة: و التي تعكس الحق في التعليم، العمل، الجنسية، والمعاملة المتساوية أمام القانون و القضاء...

- ثانيا: قيمة الحرية: والتي تتمثل في الأساس في العديد من الحقوق مثل حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية، و حرية التنقل داخل الوطن، و حق الحديث والمناقشة بحرية مع الآخرين حول مشكلات المجتمع و مستقبله...

- ثالثا: قيمة المشاركة: والتي تتضمن العديد من الحقوق مثل الحق في كل أشكال الاحتجاج السلمي المنظم كالتظاهرات، و الإضراب كما ينظمها القانون...

- رابعا: المسؤولية الاجتماعية: و التي تتضمن العديد من الواجبات مثل واجب دفع الضرائب، تأدية الخدمة العسكرية للوطن ، و احترام القانون....

4.    المبادئ الأساسية التي تقوم عليها العلاقة بين الدولة و المواطن:

تقوم العلاقة بين الدولة و المواطن على مبادئ أساسية هي:

1- استخلاص حقوق الإنسان الدستورية له، دينية كانت أو طبيعية أو تعددية و التي ينبغي الإشارة إليها عند سن أي دستور.

2- يقتضي مبدأ المواطنة بأبعاده المختلفة (سياسيا و دستوريا و قانونيا و إداريا واقتصاديا ) على أن يركز منطق التعامل في الدولة و المجتمع على موجبات هده المواطنة ( أي المشاركة و المساواة).

3- تنمية و ترسيخ ثقافة الوحدة الوطنية بين ميادين الشعب و في عموم المجتمع.

4- المساواة لكل فئات المجتمع بغض النظر عن الفئة و الجنس و الأثينية و الطائفية و احترام الرأي و الرأي الآخر و قبول التنوع بجميع صوره.

5- مراعاة الجوانب الاقتصادية و البيئية التي تمكن المواطن من التعبير عن رأيه والمصالحة بحرية إذ لا معني لوجود حقوق قانونية و سياسية إذ لم يتوافر الحد الأدنى من ضمانات الممارسات على ارض الواقع مثل وجود تقارب النسبي في الدخل و الثروة و المكانة

الاجتماعية و المستوى التعليمي و توفير فرص العمل والتعليم و الرعاية الاجتماعية.

5.    هل هي ميزة ترتبط بالحقوق أم بالواجبات؟:

إن ظهور مشكلات جديدة لم تكن موجودة في هدا العصر دفع إلى تجدد المواطنة، هذه المشكلات جعلت الدول المعاصرة مهددة بتفكك، و من بينها على سبل الذكر لا الحصر:

- تزايد المشكلات العرقية و الدينية في الكثير من أقطار العالم.

- بروز فكرة "العولمة" التي تأسست على التوسع الرأسمالي العابر للحدود و ثورة الاتصالات والتكنولوجيا من ناحية أخرى.

ففي الدستور الجزائري على غرار الدساتير الأخرى نظم حقوق ووجبات المواطنة في فصلين الرابع و الخامس على التوالي و قد تناول في هذين الفصلين حقوق و واجبات المواطن بشكل عام ، و نذكر من تلك الحقوق :

- المادة 41: حريات التعبير، و إنشاء جمعيات، و الاجتماع، مضمونة للمواطن.

-المادة 42: حق إنشاء الأحزاب السياسية معترف به و مضمون.

أما عن واجبات المواطن فنذكر المادة 61 و التي نصت على أنه:" يجب على كل مواطن أن يحمي و يصون استقلال بلاده و سيادتها و سلامة ترابها الوطني وجميع رموز الدولة".

لدلك فإن المواطنة علاقة ايجابية بين الفرد و الدولة من جهة، و بينه و بين غيره ممن يشاركنه الوطن من جهة أخرى. فهي علاقة تقوم على أساس معادلة الحقوق و الواجبات و كل إخلال بدلك فهو إخلال بمقتضى المواطنة.

إن تفعيل حقوق و واجبات المواطنة من الجميع يعني فيما يعنيه مشاركة جميع المواطنين في تقرير مصير الوطن. وإن عدم وجود المواطنة الفاعلة في أي مجتمع سبب حقيقي في انتشار انتهاكات حقوق الإنسان وانعدام حق القانون كما أنها سبب واضح لانتشار اللامبالاة و انعدام المسؤولية.

قراءة 8873 مرات آخر تعديل في %AM, %25 %472 %2014 %11:%شباط
د. رشدي بوجاهم

دكتور في الإعلام الآلي

- مهندس رئيسي في الإعلام الآلي بالديوان.

- مسير تكنولوجيات الإعلام والاتصال بالديوان.

- مصمم الموقع و الواب ماستر له.

رأيك في الموضوع